--------------------------------------------------------------------------------
،
،
:: يـومـهـا كـانـت الــنـهـايــــة ::
،
الفصل الأول ... "
دموعُ رحلةْ "
،
،
" ضجة .. فيما حولي ...
هنا وهناك ، ألمح ظلالاً ، تنتقل بسرعة ...
بتثاقل ، أقمت ظهري ، و حاولت فتح عيني الخامدتين ...
" مستشفى ؟ " ،،،
أغمضت عيني مرةً أُخرى ، واستغرقت في موجة ذكريات ...
" هل يعقل .. هل خرجت فعلاً ؟! "
" لماذا لا أحس بنصفي الأسفل ؟! "
... أبحرت في ظلام ذكرياتي ... إلى ذلك اليوم الأسود ..."
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
،
" محمد ؟ أعددت ما نحتاج ؟ " قلتها على مضض .
" خالد ! ،،، بسرعة ! " رددتها مثنى .
محمد ، خالد ، ... وأنا ... من أُسمى بـ(أحمد) .. - أو هكذا يقولون ! -
مجموعة مليئة بالحيوية ، فائضة بالشباب .
اتفقنا هذا الأسبوع ، على قضاء يومي آخر الأسبوع ،،،
في البرية ،، بعيداً هنا ، فما عادت الحالة تطاق ! ...
.
جمعت ما اتفقنا أن يكون من واجباتي ،،،
انطلقت إلى السيارة ، وقد أيقظ خالد الجيران بصوت صراخه المزعج ! ..
فتحت الباب ، و هويت على مقعدي بسكون ،،،
انطلقنا ، معاً ،،،
نحو برية طلقة ، نحو مكان فيه نحيا الطبيعة كما يجب ،،
حيث نتذوق الطعم الحي ، لحرية الحياة .
انطلقت السيارة ، طاويةً مجاهل الأرض .
استمررنا بالسير ، ثلاث ساعات كاملة ،،،
حتى بلغنا صـحراءً بعيدة ، و منعزلة تسمى بـ " ربعِ الأرض " ،،
والحقيقة أنه مليء بأطنان من الذهب ( أو هكذا أظن )
فعندما تتذوق البرية ، تشعر بتقدير الرمال ،.،
فكأنها ذرات من ذهب ، هوت من السماء ،،،
أخذنا بفرد ما لدينا ، كيف ما اتفق ..
تبادلنا الضحكات و النكات ..
وبدأنا بتحضير الحليب البري ( كما نحب تسميته ) ،،،
للفطور .
كان يوماً مليئاً بالفرح ، وتبادل الضحكات ،،،
ومرح بديع ، حتى أني خلت أني قد أنجزت ما علي بالحياة ! ...
هتفت ، ونحن نأكل ...
" خالد ! ، أحضرت بنادق الصيد ؟ و ما لزم من أدوات التحضير ؟!" ،،،
ابتسم بهدوء و هز رأسه ببطء،،،
خالد ... مصدر المرح ، في أي مكان يحله ، شاب لطيف ، إنسان ، ورحيم دائماً ،،،
ولعل هذا سبب كرهه للصيد ، ومحاولتنا فرضه عليه وعناده .
...
محمد ... شاب هادئ ، مبتسم ، قليل الكلام ، إلا أنه طيب ، بجميع المقاييس ،،،
...
أنا ... ربما أكون الـ (لا شيئية) بعينها ، حياتي ، بلا هدف معين ، سوى الملل ، وتذوق طعمه المُر ! ..
...
أخذت بالتأمل ، لما حولي ،،،
خيمة نصبها خالد هناك ،،،
بساط نشره محمد بإهمال ،،،
و بقايا تناثرت هنا ، وهناك ،،،
مضى الوقت سريعاً .
كونه أحد أسعد أيامي ( والتي لا تتكرر ) في هذه الحياة الهادئة ...
قرب الغروب ، أمسكت بقلمي ، ومجموعة أوراق .. وكتبت إلى من كانت " تعشقني "
،،،
" بين رمال تذوقت عهود الحياة ،،،
تحت سماء قديمة ، وشمس ٍ ، بدأت بالاهتزاز ، معلنة حين الرحيل ،،،
هنا... أو .. هناك ...
أقسم لكِ .. لازلت أحبك ! ..
فحتى سيفك البتار ، الذي غاص عميقاً في قلبي ،،،
يشهد على حُبِّي لكِ ولذاتك ...
أتذكرين ؟
يوم كُنا نقضي الليالي ، هامسين ، ... ضاحكين ،،،
أوا تذكرين كذلك .. يوم تجرأت أن انطقها !
" أحبك ! ، وأواه من حبك ! "
واليوم ..
قمتِ بتمزيقي لأجزاء ! ...
رحيلك .. جزأني ،،،
ورسم خطوطاً مستعرضة على وجهي ...
ولم أعد " أنا " أنا ...
أقسم مثنى ! ...
لأضلنَّ هنا ..
منتظراَ عودتك ! ..
إلى الأبد ،... وإن تجمدت دمائي ... "
،،
هب نسيم لطيف ،،، رفعت يدي ممسكاً بتلك الورقة ...
ألقيتها بسكون ، فـ ياليت النسيم أن يوصلها إلى حيث هي ! ...
،،،
غربت الشمس ، و أخذت النجوم ، بالاشتعال ، واحدةً تلو الأخرى ،،،
فكأنما أرعبها العقرب بـسمه ، و أيقظها الجدي بهتافه .
و القمر ، لوحةٌ زينت السماء بظلال بيضاء ..
،،،
قمت بأداء فريضة المغرب ، بصحبة خالد ومحمد ،،،
و لجأنا إلى النار التي أشعلنا ، التماسا للدفء ،،،
ولبعض الأحاديث المؤنسة ! ..
فكما هي البرية دائماً ،،، مصدر إلهام ، لأعذب الأحاديث ...
،،،
سددت نظري نحو السماء ، و سرحت بعيداً ...
وسمعت محمد يناديني ! ..
بصوت خفيض ،، ويقول ،،
" خالد يقترح علينا رحلة بسيطة ليلية ! "
ابتسمت ، وأجبت " فكرة رائعة ! "
انطلقنا ، لمطاردة بعض " الجرابيع " كما نحب تسميتها ،،،
انطلقنا مسرعين ، وابتعدنا قليلاً عن مكان جلوسنا ،،،
بعد ثلاث ساعات من المرح ،،،
رنَّ جرسُ السيارة بهدوء ..
معلناً نفاذ الوقود ( تماماً )
ولعل سبب هذا هو إهمال خالد ! ..
فلقد أنزل حمولتنا من الوقود ، في المخيم ،،،
أخذت بتأمل الموقف ، و في البعيد ،،
لمحت إضاءة مقبلة ، كانت سيارةً .. على ما يبدو ! ..
استبشرنا ، بمقدمها ، وأخذنا بالتلويح، والإشارة بمصباح كان معنا - لحسن الحظ - ،،
و أقبل ذلك القادم ،، كانت السيارة مستفحلة بالقدم ، كما بدا لي ،،،
وترجل الرجل ، و اتجه إلينا ..
كان رجلاً بثوبٍ قديم ، وقد طبعت الصحراء طابعها على ما ظهر من وجهه ،،
فبقية وجهه اختفى خلف " غُترته " الرمادية ..
اقترب بصمت ...
" يا إخوة العرب ، إلي بالمعونة ! ،، "
أجبنا بحاجتنا لها أيضاً ! ...
كان يحتاج إلى مؤونة من الطعام ، فكما يقول ، نفذ طعامه ،،،
أشار إلينا ، أن نذهب بسيارته ، إلى مُخيمنا ، حيث نحصل على الوقود ونعود ، ونمنحه ما يرغب من طعام ،،
جاورته في المقعد ، وجلس البقية ،في المقعد الخلفي ،،،
انطلقنا معاً ، وخالد يشير إليه ، وهو يتجه تماماً حسب ما يوجهه خالد ( حسب جهازه الذي يحمله ! )
بعد فترة ، القى الرجل نظره علي .. وسأل ..
،
" من أين أنتم ؟ "
أجبت ،،، من " الرياض " ..
- " أهي تلك المدينة الضخمة ،،،، حيث لا وجود للرجال ؟"
،
اتضح لي ، أن الرجل على ما يبدو ، من الجنس البدوي البائد ، والذي لم يفارق هذه الصحراء لسنوات طوال ، ولا يعتقد بالمدنية ، ولا أيٍ من أشكالها ،،
،
بعد زمن بسيط ، لاحت ضوء بسيط ،،، إلا أنه مختلف عن ما اعتقدت ، توقف الرجل بعيداً عن الخيام ،،،
و ... أشار إلينا بالذهاب و إحضار ما يلزمنا .
اتجهت ومحمد ،،، وتبعنا خالد فوراً ! ..
وسمعت صوت سيارة تبتعد ! ..
صرخنا له ! ،، وحاولنا اللحاق به ..
ولكن .. لا فائدة ... على ما يبدو .. أننا لن نجد سيارة تنقلنا إلى حيث سيارتنا ! ..
أخذنا نسرع الخطى نحو خيمتنا ،،
وهناك ، وجدنا النار ، انطفأت فور وصولنا، واستحالت رماداً ...
تململ خالد ..
و هتف " يا لهذا الحظ !! "
و على مضض ، نطق بـ " تصبحون على خير "
وانطلق إلى الخيمة ..
هتفت " خالد ! " ..
انتظرني ، لحقت به ، ومعي مُحمد ...
وعند باب الخيمة ، لاح ضوء خافت ..
أحسست ، بنعاس رهيب ، و غلفني شعور ساكن ،،،
بدأت عيني بالتهالك ، .. واحسست بأني انتقل ، نحو مكان عجيب ! ،،
أضاءت الدنيا فجأة ...
" ماهذا ؟! "
كنت في عالم غريب ، أوا يعقل ؟
يبدو .. أني أحلم ! ..
إلا أني .. لا زلت أُحس بألم السقوط .
نظرت إلى الوراء ..
وإذا باب الخيمة ، ومشهد محمد يصرخ من خارجه لنا ...
يختفي ببطء ...
أحسست بذلك الشعور الغريب ، يتلاشى ،،،
وبدأت استعيد وعيي ! ..
ساحة ضخمة ، كبيرة ،،،
اشتعلت أرضيتها بحمرة الدم ،
وفي الأعلى ، انبسطت السماء ،،، وقد اغبرت بالرماد ، فكأنها عاصفة ، يوم صحراء ! ..
، ولاح في أعلاها ، قمرين ،،،
أجل !! ، أحدهما كان يبكي .. قمرٌ يبكي ، و قمر آخر ، انتفخ في غرور ،،
وكأنهما حبيبين ، اختار احدهما إذاقة الآخر مُرَ العذاب ...
أخذت أمشي هائماً ،، بلا هدف ..
حتى بلغت موضعاً غريباً ...
كان هناك... سرب غربان ، بأشكال مختلفة ،،،
تلتف حول قلعة قديمة ،،
مرتفعة.. فكأنها صافحت السماء ،،
بل أنها اخترقت الغيوم السوداء ، في لج السماء ، مشتتة النجوم حولها ! .
،
بخطوات متثاقلة ،،
اتجهت إليها ، ولا زلت في حالة من الـ"لا" إدراك ..
لما يجري حولي ...
،
وعند اقترابي من القلعة ...
لمحت شيخاً كبيراً ،،
اهتز ظهره لما طبع عليه مرور السنوات و تقاطيع الزمان ..
ألقى علي نظرةً ملئا بالرحمة ،،،
،
همست .. " من أنت ؟ ، وأين أنا ؟ "
اكتفى بابتسامة أبوية ... أدار ظهره ..
واتجه إلى تلك القلعة ... وتبعته بسكون و استسلام ..
...
وأنا
.....
... مسلوبُ الإرادةْ ...
،
،
،
،
،
،
،
،
،
،
،
...
__________________