بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا فعلنا حتى اختار الله لنا الإسلام ديناً؟ وماذا أنفقنا حتى اختار الله لنا القرآن كتاباً؟ وماذا قدمنا حتى خصنا الله بالإيمان والإسلام؟ لم نُقدِّم قليلاً ولا كثيراً ولكنها عناية الله وفضل الله وتكريم الله الذي خصَّنا به نحن جماعة المؤمنين
ولكي نعلم هذه النعمة وقدرها ننظر للرجل الذي وهب حياته للدفاع عن نبيِّكم الكريم وهو عمَّه أبو طالب وأخذ على عاتقه طوال حياته أن يُدافع عنه ضد الكافرين وأن يحميه من المشركين، فأراد النبي أن يُكافأه فدعا الله له أن يهديه ، فأجابه الله ليبيِّن لنا ما تفضل به علينا فقال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} القصص56
فعلمنا أن الهداية من الله ، فيا أخي المهتدي إلى دين الله والعارف برسول الله والمصدق بكتاب الله ، لو عشت عمرك كله لا تجد لقمة عيش تسد جَوْعتك ولا ثوب يستر عورتك ولكن مِتَّ على قول لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ماذا فاتك من خير الدنيا؟ ماذا ينقصك من نعيم الدنيا بعد أن مِتَّ على خير الكلام وعلى هَدْي سيِّد الأنام وعلى وسام السعادة يوم لقاء الملك العلام؟
إن خير هديِّه وخير نعمة أنعم بها علينا الله هي نعمة الإيمان ولكننا لا ندري قيمتها ولا نعرف حقيقتها لأننا صرنا كبقية الخلق ننظر ونبحث عما يُشْبع بطوننا وعما به نفتخر في شبابنا وعن الرَّياش الذي نُؤسس به بيوتنا وظنَّنا أن تلك هي النِّعم العظمى التي يتفضل بها الله على أحبابه
حتى وصل الأمر بجهلائنا أنهم جعلوها مقياس رضا الله، فيقولون فلان رضي الله عنه لأن الله رزقه سبعين ألف جنيه أو رزقه سفرية إلى السعودية أو رزقه كذا في الأرض أو في المال أو غيرها من عوالم الدنيا الدنيِّة ، وظننا أن ذلك دليل على رضا الله وهذا خطأ فلو كان المال ومُتع الدنيا دليل على رضا الله ما أعطى الكافرين ما نشاهده من هذه النعم ، فقد أعطاهم الدنيا لهوانها عليه ، أما الدليل على رضا الله فتجدوه في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقهْهُ فِي الدينِ وَيُلْهِمْهُ رُشْدَهُ}{1}
والدليل على رضا الله أن يفتح الله قلبك فتفتح كتاب الله وتقرأه في الليل والنهار ولا تملّ منه بل تريد الاستكثار لأنك تحسّ فيه برضا الواحد القهار ، والدليل على رضا الله أن يفتح الله عليك باب العمل الصالح لأنه هو المتْجر الرابح الذي يجعلك تخرج من الدنيا فتجد سعْيك مشكوراً فيقول الله تعالى لك ولأمثالك {وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً} الإنسان22
فالله تعالى يقول هذا لمن سعى في العمل الصالح ، أما من يسعى في الدنيا ويكدّ فيها فإنه لا ينال إلا ما كُتب له ولا يأخذ منها إلا ما قدَّره الله له ، فإن كان ذلك على حساب دينه فقد خسر الدنيا والآخرة ، فالفتح الحقيقي والرضا الحقيقي من الله على العبد أن يُلْهمه الطاعة وأن يُوفِّقه لعمل البر ولعمل الخير ، فإن وفَّقه الله لذلك فهذا دليل على إنَّه دخل في قول الله تعالى: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} البينة8
هذه النعمة ، نعمة الهداية ونعمة الإيمان ، مَنْ سببها؟ ومَنْ الذي أوصلها إلينا؟ ومَنْ الذي بسببه جعلنا الله مسلمين ومؤمنين؟ إنه سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبسببه وصلتنا كلمات الله وبه عرفنا الله ومنه تعلَّمنا أحكام الله وبفضله اهتدينا إلى طاعة الله فهو الذي علَّمنا الطاعة وهو الذي أمرنا بالخيرات وهو الذي بين لنا المنكرات والمحظورات وحذَّرنا منها بأبلغ بيان وأجْلى بُرْهان ، حتى قال صلى الله عليه وسلم: {قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى المحجة الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِها ، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ}{2}
فنحن نحتفل في هذه الأيام بدين الإسلام ، هذا الدين الذي خصَّنا الله به وأكرمنا الله به ، لا نحتفل برسول الله لشخصه ولا لذاته ولكن للهداية التي وصلت معه إلينا من الله والرسالة التي بلَّغها لنا من الله فنحتفل في الحقيقة بهذه الرسالة وهذا الفضل ، وقد أمرنا الله جميعاً أن نفرح بهذا الفضل العظيم وبهذا الدين القويم وبهذا الخير العميم فقال لنا عز شأنه: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} يونس58
لابد أن نفرح بفضل الله علينا وبرحمة الله إلينا بهذا الدين القويم ، فنفرح برسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه سبب هذه النعم ، وقد قال في ذلك سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : {أصبحنا وما بنا من نعمة ظاهرة أو باطنة في دين أو دنيا إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم سببها وهو الذي أوصلها إلينا}
فالله كان يستطيع أن يُلْهمنا بهذا الدين من غير واسطة وأن يعلِّمنا القرآن وحْيا من لدنه ، لكنَّه عندما اختار سيِّد الأولين والآخرين ليُجْري على يديه هذا الفتح ويُقدِّر عليه هذا البِّر ، كان ذلك لخصوصية فيه ومزيِّة يقول فيها الله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء107
فالحمد لله الذي خصَّنا بالرحمة العُظْمى لجميع العالم